بدأ عبد الحليم حافظ حياته الفنية نافخاً في الأوبوا، قبل أن ينال شهرته في عالم الغناء
والنافخ في هذه الآلة الأوركسترالية – التي تعد أصغر آلات النفخ وأكثرها علواً في طبقات الصوت- يتحكم في أنفاسه بصرامة كي يضبط النغمات الدقيقة الحزينة التي تصدر عنها. وبدون التحكم الصارم في أنفاسه ينفلت منه عيار الأوبوا لتملأ الجو عويلاً وتفجعاً، على حد قول الناقد الموسيقي الكبير كمال النجمي
ويبدو أن عبد الحليم حافظ، تأثر غناؤه بانضباط عازف الأوبوا، فكان صوته الهادىء المحدود الدرجات - بشهادة الكثير من العارفين والدارسين- مستأنساً. هذا الاستئناس لقي قبولاً لدى قيادة ثورة يوليو 1952 التي وجدت أمامها مطرباً شاباً يحاول اعتماد أوراق شهراته كأي شابٍ يتقدم بأوراقه إلى وزارة القوى العاملة
وفي ظل أبوية القائد التي جسدها "الريس" جمال عبد الناصر، ورمز الأمومة الذي لعبته "الست" أم كلثوم، اكتملت الدائرة بالابن الذي يتعاطف معه الجميع، وهو ما تقمصه العندليب عبد الحليم
وبالفعل تم قبول أوراق عبد الحليم شبانة، الذي سيصبح لاحقاً معروفاً باسم عبد الحليم حافظ، خاصةً بعد أن تبين للجميع أن هذا الصوت الغنائي يستطيع تعويض ضعف حنجرته ومحدودية مقامات صوته، بالجاذبية التي تكمن في نبرات هذا الصوت، ويستطيع الميكروفون تجسيمها
وكانت أول أغنية وطنية أداها عبد الحليم في حياته الفنية تحمل اسم "العهد الجديد" عام 1952 من كلمات محمود عبد الحي وألحان عبد الحميد توفيق زكي، وقد غناها بعد قيام ثورة يوليو. وفي 18 يوليو تموز 1953 أحيا عبد الحليم حفلة "أضواء المدينة" في حديقة الأندلس، واعتبرت حفلة رسمية إذ تزامنت مع أول احتفال بإعلان الجمهورية، حيث كان فنان الشعب يوسف وهبي يقدم المطرب الشاب بقوله: "اليوم أزف لكم بشرى ميلاد